الأربعاء، 23 يوليو 2014

عبد الناصر وعلاقته بالفنانين وعلماء الاسلام

فـي عام 1964 وقع خلافٌ بين عبدالحليم حافظ وأم كلثوم، بعدما أخرَّت دخوله إلى المسرح فـي حفلة عيد الثورة، وقال يومها قبل أدائه أغنية “المسؤولية”: “طبعـًا أنا يشرفني ويشرف أي فنان “أنه يختم حفلة بتغني فيها سيدة الغناء العربي أم كلثوم.. بس اللي أنا مش متأكد منه إذا كان ده شرف ولا مقلب من السيدة أم كلثوم”.
فى صباح اليوم التالي، اتصل مكتب المشير عبدالحكيم عامر، يطلب عبدالحليم حافظ وضرورة الحضور إلى الإسكندرية قبل الساعة 1400 بلغة الجيش، وظن العندليب أن القيادة سوف تكافئه، لكن المشير عامر (شخصيا) طلب من عبدالحليم حافظ الاعتذار إلى أم كلثوم، وقال له: “إن كلماته على المسرح تعتبر إهانة للقيادة.. ولأم كلثوم.. ولا بد من الاعتذار للست” ورد عبدالحليم “أنا صاحب الحفلة.. أنا ابن الثورة. أنا كرامتي قبل فني”.
وفـي العام التالي، غاب عبدالحليم عن حفلة عيد الثورة بسبب موقفه من أم كلثوم، إلا أن جمال عبدالناصر(شخصيا) رد له اعتباره عندما أعلن عن إقامة حفلة أخرى فـي الإسكندرية بعد الأولى بيومين وأصدر أمرًا بأن يقوم عبدالحليم بإحيائها مع مَن يشاء من المطربين.
وأثناء مساعي الوساطة لتحقيق مصالحة بين عبدالحليم وأم كلثوم، قال الأول للوسيط طه النمر: “أنا صاحب المولد.. وأولى الناس بالغناء فـي الليلة دي.. حاولوا تفهموني”.
ولم تتحقق المصالحة إلا بعد أن ذهب شمس بدران مدير مكتب المشير عامر(شخصياً) إلى بيت عبدالحليم وصحبه معه إلى فيلا أم كلثوم، التي سامحته على ما بدر منه، لتطوى صفحة هذه القطيعة.
وكانت العلاقة بين العسكر وأهل الفن قوية (سمن على عسل) بل رأينا كثيرا منهم قد اقترنوا عائليا بهم، مثل المشير عبدالحكيم عامر، الذى تزوج نجنة الإغراء برلتنى عبدالحميد، وتزوج العقيد على شفيق بالمطربة مها صبرى، ومن يطالع كتاب اعتماد خورشيد فيه العجب العجاب من أحداث تشيب لها الولدان، وكان النظام يستخدم هؤلاء فى الترويج له ولمشاريعه الوهمية التى صدقها الناس، ومازالوا يبهرون بها حتى اليوم مثل (تفوت على الصحراء تخضر)، وظل هؤلاء يخدعون الناس حتى وقعت الواقعة فى صباح 5 يونيه 1967وأعلن عبدالناصر عن تعرضه لنكسة ..بعدها رأينا الفنانين يهرعون إلى بيروت بعيدا عن جو الهزيمة التى تحياه القاهرة لأن سيدهم عبدالناصر قد تخلى عنهم مؤقتا ليتحرر من الهزيمة المنكرة التى تعرض لها .. سافر هؤلاء كلهم إلى بيروت ليقوموا بأفلام تقترب من الأفلام الجنسية والثقافية (البورنو) بها مناظر فجة من الإباحية والمشاهد الخليعة، حتى موسيقار الأجيال الذى اتحف جمال عبدالناصر بعشرات الأغنيات ذهب هو الآخر وقد ذكر الشاعر الدكتور حسن فتح الباب أن عبدالوهاب لحن له قصيدة وكانت معدة للغناء، إلا أن الشاعر اللبنانى جورج جرداق التقى بعبدالوهاب فى بيروت وحجز له جناح فى فندق يطل على البحر مباشرة، وقرأ عليه قصيدته “هذه ليلتى” فغير عبدالوهاب فى بناءها وكلماتها حتى استوت على لحن أغنية حسن فتح الباب والشواهد كثيرة يصعب حصرها فى هذا المقال الضيق، وظلت العلاقة بين العسكر وأهل الفن على رأس الأولويات حتى رأينا أكثرهم يقفون ضد ثورة يناير 2011ويصفون روادها بأقبح الألفاظ وظلوا كذلك يتحينون الفرصة لعودة مجدهم القديم حتى رأينأهم جميعا يشاركون فى انقلاب يوليو وينفق عليهم قائد الانقلاب ببذخ شديد وتكلفت احتفالية أكتوبر2013 أكثر من 120مليون جنيه رغم الأزمات الطاحنة التى يتعرض لها الاقتصاد المصرى ..
على النقيض من هذا كان عبدالناصر يغلظ القول للشيوخ ويتعمد اهانتهم وتعقبهم والقبض عليهم والزج بهم فة عياهب السجون ..انظر ما حدث لكبار العلماء فى عهده منهم: الشيخ الأودن، والسيد سابق، والشيخ محمد الغزالى، والشيخ “أبوزهرة” الذى اشتهر بالفكر الحر والشجاعة الفائقة في عرض قضايا الإسلام، وقد صدع بالحق فى مواقف كثيرة ، إذ استدعاه عبدالناصر يوماً ، وكان عبدالناصر لا يقوى على الرأى الآخر، بل يريد ويقرب منه كل ناعق له ومؤيد على طول الخط وقد زج هذا المستبد بالمخلصين فى غياهب السجون وشرد البعض، وعزل البعض الآخر عن تولى المناصب، ومنهم أستاذنا أبى زهرة، المهم فى هذا القاء قال عبدالناصر للشيخ أبى زهرة: “إنك إقطاعى رجعى تألف الكتب وتتاجر بها”، فكان الرد الحاسم من الشيخ: “هى مؤلفات كتبتها لله ، ولم تفرض على أحد ، ولم تتول الدولة توزيعها قهراً على المكتبات ودور الثقافة الحكومية لتسجن فى الرفوف دون قارىء، وليكسب أصحابها من مال الدولة مالا يحله الله” فبهت الذى ظلم وأدعى، لأنه كان فى مغرب حكمه بعد أن ابتلى بهزيمة نكراء.
وقع خلاف حاد بين عبدالناصر والشيخ أبى زهرة حول ما ذهب إليه الميثاق في شأن “الاشتراكية العلمية”، ورأي الشيخ فيها “المبادئ الشيوعية”، وكان خلاف آخر قد وقع حول مشروع القانون ١٠٣ لسنة ١٩٦١ الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له، وقال الشيخ: إنه ليس ضد أي إصلاح، ولكن الأزهر صانع الثوار والثورات.. هل من المنطق أن يدبر أمره في ليلة واحدة؟ وسرد عدداً من عهود الإصلاح وأشار إلي عهد الإصلاح الذي ابتدأه الإمام الشيخ محمد عبده وغيره وإلي ما اقترحه أحمد فتحي زغلول من إدخال دروس الرياضة والجغرافيا ولكن بكميات قليلة، ثم أرسي الشيخ مقولته وهي أن “كل إصلاح للأزهر يجب أن يكون مشتقاً من رسالته”، ومن ثم رأي أن يقوم الأزهر بتثقيف الأطباء والمهندسين بالثقافة الدينية، واقتراح أن يلتحق الحاصلون علي المؤهلات العليا من الجامعات وغيرها بالأزهر، وتوضع لهم مناهج خاصة لتثقيفهم دينياً، ولم يرى الشيخ إنشاء كليات للطب والهندسة والعلوم… وصدرت قرارات مختلفة بحرمانه من التدريس في الجامعة، وإلقاء الأحاديث العامة وأغلقت أمامه أبواب التليفزيون والإذاعة والصحف، وانتهي بهم الأمر إلي أن قيدوا حريته في بيته، وحدث أن شارك في مناقشة رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر للمرحوم الدكتور حسن صبري الخولي عن المسألة الفلسطينية وبصراحة الشيخ المعهودة فيه قال: “إن الرسالة عبارة عن بعض التقارير الخاصة برئاسة الجمهورية، وإن الطالب لم يكلف نفسه حتي بجهد ترتيب الصفحات أو حتي إصلاح الأخطاء اللغوية الفادحة”، وهمس أحدهم في أذن الشيخ بأن الطالب هو الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، فصاح أبوزهرة: “متحدث رسمي .. ممثل شخصي .. تلك مسميات في مكتب رئيس الجمهورية لا دخل لنا بها”.
وبلغت الوقاحة مداها من كتاب السلطة حتى من الصحف القومية، وهذا مما ورد فى جريدة المساء فى مارس 1962، حيث ظهرت صورة كاريكاتيرية تمثل ديكًا ناشرًا جناحيه وتحته تسع دجاجات، وتحت الصورة التعليق التالى: “محمد أفندى والزوجات التسع”، وقد أثارت هذه الصورة استياء العالم الإسلامى، ولم يحتج المسئولون الأزهريون الرسميون الذين ظهروا فى ظل الميثاق، كما يسكت تلامذتهم اليوم، بل الذى احتج هم الشرفاء من الأزهر الأجلاء الذين تعلموا فى عهد مجده الزاهر، فنجد العظماء يصرخون فى وجه الظالم الجبار وهم :الشيخ محمد الأودن، والشيخ سيد سابق، والشيخ الغزالى، والشيخ محمد عبد الله الخطيب، والشيخ يوسف القرضاوى، والشيخ محمد أبى زهرة، وكانت لهم مواقف مشهودة، بعضهم تعرض للسجن، والآخر تعرض للإقصاء والنفى، وقد غضب الفرعون المهزوم جمال عبد الناصر على رجال الأزهر بعد صدور قوانين التأميم، لأن بعضهم أفتى بتحريم ذلك فقال فى إحدى خطبه يوليو1961: “إن رجال الدين يصدرون فتوى بفرختين، وأنهم أجراء للرجعية، وأجراء للإقطاع، وأجراء للرأسمالية”.. وفى هذا الخطاب أعلن الرئيس جمال “أن الدولة التى أقامها سيدنا محمد كانت أول دولة اشتراكية، لأنه قال: الناس شركاء فى ثلاثة: الماء والكلأ والنار”.
وكان النظام البوليسى الفاسد قد أفسد الأزهر مما لم يجرؤ الاستعمار على فعله، لقد صادر هذا النظام البوليسى الفاشى أوقاف الأزهر، وألغى القضاء الشرعى الذى ظل فى البلاد يحكم طوال 14 قرنًا من عمر مصر، وشرد أعلامه وجعلهم ينخرطون فى القضاء المدنى الذى أبقى عليه ولم يتعرض له بسوء، وهو الذى أوجده الاستعمار مما يوحى بأن النظام الفاشى كان متناقضًا مع نفسه، وهو الذى دعا إلى القضاء على الاستعمار وأعوانه، وهنا هلل له بعض سفراء التغريب فى بلادنا، ويكتب طه حسين فى جريدة الجمهورية مقالاً بعنوان “الخطوة التالية”، ويعنى إلغاء الأزهر بحجة توحيد التعليم بعد توحيد القضاء، وهذا ما فعله الزعيم المهزوم إذ أصدر قانون تطوير الأزهر 103 سنة١٩٦١، وهذا القانون الذى عارضه آخر علماء الأزهر الأجلاء وهو الشيخ شلتوت الإمام العالم المجتهد. وسيطر عبد الناصر على هذا المعهد العريق، وتصدره أناس تحت الطلب، يروجون للاشتراكية والميثاق الذى ندد به العلماء فى الماضى، مثل كتب الشيخ محمد الغزالى، وامتلأت مجلة الأزهر بمقالات عن: “دعوة الميثاق الوطنى من دعوة الإسلام”، و”الاشتراكية فى الإسلام”، و”الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام”، و”الأصول الإسلامية لاشتراكيتنا العربية”، و”الاشتراكية تنبع من أعماق إيماننا”، و”القرآن صنع جماعة اشتراكية”، وغيرها من المقالات، كما سكت العلماء عن الإجرام الشيوعى الملحد الذى تصدر المشهد فى الصحف والمجلات والإعلام المرئى، فالهجوم على الإسلام كان يملأ الآفاق ويمر مرور الكرام دون شجب رسمى من الأزهر، وقد كان علماء الأزهر من قبل ينتفضون ويتصدون لمكر القوم، وقد استقصى الدكتور محمد رجب البيومى وهو من كبار علماء الأزهر، أمرهم واستشهد بمواقفهم المشرفة فى كتابه “علماء فى وجه الطغيان”.
وما أشبه الليل بالبارحة ..التاريخ يعيد نفسه فى حلقات كثيرة بنفس المنهج والطريقة وإن تبدلت الأشخاص..الشيوخ المخلصين يطاردون ويتعرضون لأحكام الإعدام ..وهناك من يؤصل لكل ما يريده الظالم وهم علماء السلطة فى كل العصور يكفرون خصوم الحاكم (المعارضة) المتواجدة فى كل نظام …ونجد أيضا عودة الفنانين للتطبيل للحاكمن بنفس سياسة الأمس فى سبيل الحصول على المزايا وةالمناصب والجوائز، وإنا لله وإنا إليه راجعون…

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق