الجمعة، 11 يناير 2013

ذكريات من الزمن الجميل للجماعه الاسلاميه

- فترة الثمانينات فترة ثرية بالنسبة للجماعة الإسلامية اتسمت فيها بالنشاط والحيوية وتميز فيها شباب الجماعة بالحماس.. وآتت دعوتهم وقتها أكلها وأثمرت عودة الجموع من الشعب المصري إلى أحكام وتعاليم الإسلام.
- ففي هذه الفترة انتشر الكثير من المظاهر الإسلامية فعاد الحجاب بقوة بين الفتيات بل وانتشر النقاب وظهرت اللحية.. وكثرت حلقات تلاوة القرآن وامتلأت المساجد بالشباب.. بعد أن كانت قاصرة على كبار السن وأصحاب المعاشات.
- ومما يلفت الانتباه أن الالتزام بالدين وقتها لم يكن التزاما شكلياً يهتم بالمظهر دون الجوهر بل تميزت فترة الثمانينات بمطابقة الشكل للمضمون.. قولاً وسلوكاً، عملاً واعتقاداً.. كل ذلك لم يأت من فراغ بل غذاه شباب مخلص لدينه ملأ مصر من أقصاها إلى أقصاها دعوة لدين الله بروح وثابة.. وهمة عالية.. وعزيمة أبية..
- ربما اتسم خطاب الجماعة في هذه الفترة بروح التحدي لسلطة الدولة.. ولهجة حادة في نقد الحاكم.. لكنها مرحلة لها ظروفها.. ومن الظلم عند تقييمها إخراجها من سياق الجو العام والمزاج السائد في تلك الفترة.
- هي فترة تاريخية هامة من حياة الجماعة لم تأخذ حقها في البحث والدراسة والاستقصاء والتحليل.. وحري بمن عاصرها وشارك في صنع أحداثها أن يدلوا بدلوهم ويلقي الضوء عليها.. فمن لا خير له في أمسه لا خير له في يومه وسيتخبط في مستقبله.
- والحياة ما هي إلا تراكم للخبرات التي تمر على الإنسان في مراحل عمره وأطواره، وصدق من قال بأن التاريخ مخزن للعبر من وعاه أضاف عمراً جديداً إلى عمره.. ولله در المأمون حين قال ألذ الأشياء التنزه في عقول المجربين.
- وأذكر أنه في عام1991 تقريباً شاهدت شريطي فيديو أعدهما وقدمهما الشيخ طلعت فؤاد قاسم – رحمه الله - تحت عنوان (الجماعة الإسلامية في عشر سنوات)، ( الجماعة حركة ومنهاجاً) عرض من خلالهما آراء عدد من قيادات الجماعة عن تقيمهم لحركة الجماعة الإسلامية ودعوتها منذ عام 1981 حتى عام 1991 تحدث فيه الشيخ عبد الآخر حماد والشيخ محمد شوقي الإسلامبولي والشيخ رفاعي طه وآخرين عن أهم ما تميزت به فترة الثمانينات في حياة الجماعة.
- وفي الحقيقة تذكرت كل ذلك عندما وقعت تحت يدي مجلة المختار الإسلامي العدد 58 سنة 1987.. وقرأت فيها تغطية صحفية تحت عنوان حقيقة ما دار بين الجماعة الإسلامية بأسيوط والمفتي ووزير الأوقاف كتبها الدكتور علاء محيي الدين- رحمه الله- بعد بعض التوترات التي حدثت بين الأمن والجماعة وقتها.
- وهذه التغطية تكشف عن مرحلة هامة من مراحل الجماعة آثرت أن أنقلها إلى قراء الموقع بنصها كما جاءت بمجلة المختار على لسان الدكتور علاء محيي الدين ليغوص القارئ في مدلولاتها ويستخرج مكنونات تلك الفترة ما لها وما عليها.
- والآن إلى نص التغطية الصحفية من مجلة المختار الإسلامي:
حوار بين المفتي ووزير الأوقاف والجماعة الإسلامية بأسيوط
- بعد مرور أسبوع عاصف بين الجماعة الإسلامية وأجهزة الأمن بأسيوط توجه وزير الأوقاف د. محمد علي محجوب ومفتي الجمهورية د.محمد سيد طنطاوي إلى أسيوط بناءً على توجيهات السيد رئيس الجمهورية لتهدئة الأوضاع الملتهبة هناك.
- وصل الوزير والمفتي إلى أسيوط يوم الخميس 16/9/1987وقاما بالاجتماع بالدكتور أحمد عبده سليم أمير الجماعة بأسيوط ودكتور أسامة رشدي أمير الجامعة في حضرة محافظ أسيوط ممدوح زكي سليم وفي مكتبه وقد حضر الاجتماع بعض القيادات الأمنية واستمر الحديث قرابة ثلاث ساعات..
- استهل الوزير الحديث بأن لا عداء بين الدولة والشباب. وأنه موفد من قبل الرئيس لتهدئة الأوضاع وقال إن الحوار هو الأسلوب الأمثل..
- وتحدث قادة الجماعة الإسلامية عن انتهاك الأمن لحرمات بيوت الله التي بلغت سبعة مساجد في أسبوع واحد.. وإطلاق الرصاص على أعتاب المساجد حتى سقط اثنان من أبناء الجماعة الإسلامية عدا الإصابات.. كما تحدثوا عن افتعال الأمن للأحداث وتلفيق التهم والعدوان على الأسر وتشريد الموظفين وفصل الطلاب من المدينة.. كما أوضحوا أن القيادات الأمنية لا تحترم عهداً ولا توقر ميثاقاً.. فقد وعدوا من قبل بعدم التعرض للمساجد ولكنهم لم يفعلوا..
- وتكلم الجانب الأمني فأبرز أسلوب النقد الشديد الذي توجهه الجماعة للقيادات السياسية.. ولا سيما قضية الاستفتاء بالإضافة إلى عدوانهم على بعض الجمعيات المسيحية وذكروا أن ذلك كان السر وراء حملتهم الأخيرة..
- وعقب قادة الجماعة بقولهم إن الجماعة الإسلامية لها الحق في إبداء رأيها كما تشاء.. فلا سلطان لأحد على رأيها.. كما أن رفض المبايعة ليس مبرراً لاقتحام بيوت الله.. وأضاف أن الجمعية المسيحية والمكتبة هما أداتان من أدوات التبشير في أسيوط حيث تقومان باستفزاز المسلمين عن طريق ما توزعه من منشورات لم يتصدى لها الأمن.. فضلاً عن أنهما ليسا مرخصتين ولكنهما تتبعان الإرساليات التبشيرية رأساً.. وأبدوا دهشتهم من قلقهم من حادث الجمعية المسيحية في الوقت الذي اقتحموا فيه المساجد السبعة بلا رحمة.
- كما ذكر قادة الجماعة أنهم ليسوا مخيرين في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل.. فهذه أمور لا تقبل المساومة.
- وانتهى الاجتماع بعد أن أبدى المفتي والوزير الرغبة في عودة الأمور إلى ما كانت عليه.. وتم الاتفاق على لقاء المفتي والوزير بأعضاء الجماعة في مسجدهم للحوار والنقاش ورحب قادة الجماعة الإسلامية وأبدوا استعدادهم للحوار.
وفي يوم الجمعة 17/9/1987
- توجه الوزير والمفتي والمحافظ وبعض القيادات الأمنية والمحلية إلى مسجد الجمعية الشرعية.. وقام أمير الجماعة بتقديم المفتي لخطبة الجمعة.. فتكلم المفتي عن تربية الشباب وكيف أن الإسلام قد عني بتربية الشباب عقائدياً وعلمياً وخلقياً.
- ثم أنهى خطبته بنصحه للشباب وتحذيره أيضاً.. فنصحه بالإصغاء للعلماء وتوقيرهم والتأدب معهم وذكر قصة ابن عمر وقد منعه أدبه أن يجيب سؤال رسول الله عندما سأل عن شجرة النخيل وقد ذكر وصفها وعمى اسمها.. وقد ذكر ابن عمر سبب امتناعه عن الإجابة.. لرسول الله صلى الله عليه وسلم فحياه.
- ثم قام المفتي بتحذير الشباب من الانحراف في تيارات تتخذ من الدين ستاراً ابتغاء الدنيا والجاه..
- وبعد أن فرغ الجميع من الصلاة قام الوزير وذكر أن لا خصومة بين الدولة والشباب.. وأن هناك تغيير قادم.. وأنه موفد من قبل الرئاسة لتهدئة الأوضاع وأن الإسلام يرفض الإرهاب.. وأن على الشباب أن يلتزم الحكمة في دعوته والموعظة الحسنة..
كلمة الجماعة الإسلامية
- وبعد أن أنهى الوزير خطبته تكلم الأخ محمود شعيب الطالب بكلية الطب كلمة الجماعة الإسلامية قال فيها :
- إن الجماعة الإسلامية ليس لها فكر خاص بها وإنما هي جماعة منضبطة بالإسلام قولاً وعملاً واعتقاداً.. وهي تفهم الإسلام بشموله بفهم علماء الأمة الثقات المتبعين.
- وقال إن الجماعة الإسلامية تسمع وتصغي للعلماء واكبر دليل على ذلك هو وجود العالم الأزهري المجاهد د. عمر عبد الرحمن على رأسها.
- ثم عرج على استشهاد المفتي بحادثة ابن عمر وامتناعه عن إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم تأدباً مع أبي بكر وعمر.. فقال:
- أولاً: إن ابن عمر كان أمام أبي بكر وعمر في حضرة المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.
- ثانياً: إن ابن عمر لم يسكت عن تغيير فكر – وهو غير جائز- وإنما سكت عن أمر مباح.. أما السكوت عن الحق أمام العلماء والإنكار عليهم بدعوى الأدب معهم فلم يقل به أحد.. بل وفي سيرة السلف ما يخالفه.. فقد استوقفت امرأة عمر في مسألة المهور وقال لها عمر : أصابت امرأة وأخطأ عمر.. ولم يقل أحد أنها أساءت الأدب مع أمير المؤمنين..
- والذي قال لعمر لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا .. فتوقير العلماء مطلوب ما لم يكن على حساب الشرع وإلا فإن توقير الله أوجب وألزم.
- ثم أضاف ممثل الجماعة - تعقيباً على تحذير المفتي من المستترين بالدعوة ابتغاء الدنيا.. قال إننا لسنا طلاب دنيا أو جاه.. ولو كنا طلاب دنيا ما اعترض طريقنا أحد.. ولا سجنا ولا عذبنا؛ فطريق الدنيا ليس فيه سجون ولا اعتقالات ولا تعذيب.. وما نحن إلا شباب مسلم قمنا لننصر شريعتنا المعطلة وعقيدتنا المستهدفة.
- ثم أضاف تعقيباً على طلب الوزير الشباب بالحكمة والرفق.. فقال أين الجو الذي ندعو فيه إلى الله بالحكمة ؟!! والمساجد تقتحم فوق رؤوسنا.. فقد اقتحم الأمن سبعة مساجد في أسبوع واحد.. كيف تأمرنا نحن بالحكمة.. والاعتقالات العشوائية تنهشنا من كل حدب وصوب لا لشيء إلا أننا نريد شرع الله.
- كيف تأمرنا نحن بالحكمة والأمن ينتهك كل يوم حرمات بيوتنا ويدخل علينا مضاجعنا.
- كيف تأمرنا نحن بالحكمة والأمن قد فصل إخواننا من المدينة الجامعية ثم تعقبهم في المساكن الأهلية فهدد أصحابها حتى يحتل إخواننا مكانهم عللا الرصيف..
- توجهوا إلى المسئولين عن الأمن في أسيوط – أسألوهم عن شطب إخواننا من الانتخابات.. اسألوهم عن منع المنقبات من دخول الجامعة.
- اسألوهم عن تحويل المدرسين إلى أعمال إدارية.
- اسألوهم عن نقل الموظفين إلى شمال سيناء ومرسى مطروح والإسماعيلية حرباً للأرزاق وتشتيتاً للأسر..
- اسألوهم عن هذا كله وغيره كثير.. إن الذي يطالب بالحكمة لسنا نحن وإنما غيرنا.
- أما نحن فإننا نقوم بالدعوة إلى الله وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أمر الله تعالى.. وإننا سائرون في طريقنا حتى تعود شريعة الله المغيبة.
وزير الأوقاف يعقب على كلمة الجماعة
- ثم قام وزير الأوقاف معقباً على كلمة الجماعة.. فقال إن الشريعة الإسلامية مطبقة في مصر.. فانفجر الحاضرون بالضحك!!.. فقال نعم إن مصر بها سبعين ألف مسجد وأن الشريعة تنقسم إلى عقائد وعبادات ومعاملات.
- فقال أمير الجماعة.. أين المعاملات؟!.
- فقال له إن القانون المدني فيه 90% موافق للشريعة الإسلامية.
- فرد عليه د. أحمد – أمير الجماعة – وأين القانون الجنائي – الحدود- وأين القانون التجاري وأين القانون البحري وأين قانون الإجراءات وأين الاقتصاد الإسلامي وأين وأين؟!.
- فقال الوزير.. اعتقد أن الوقت تأخر وسأستأذن الآن على أمل العودة إليكم في مرة قادمة للإجابة على جميع تساؤلاتكم..
المطران يرفض استقبال الوزير والمفتي
- وعلى الجانب الآخر كان هناك اجتماعاً مع قيادات النصارى.. حيث رفض المطران مقابلة الوزير والمفتي.. وبعث بقسيسين لمقابلتهما.. وتم اللقاء حيث ذكروا سماحة الإسلام.. وتكلم الوزير عن قلق الدولة من إيذاء والاعتداء على أي مسيحي.. وتعهد بالتعويض عن الخسائر المادية..
- ويعتبر المراقبون أن زيارة المفتي والوزير كانت موفقة من الناحية السياسية.. أو على الأقل في تهدئة الأوضاع وهو أحد أهدافها الرئيسية.
- إلا أنها من الناحية الدينية على النقيض من ذلك تماماً.. إذ أن الوزير والمفتي لم يقنعا الشباب أو على الأقل يخففوا من أساليب الجماعة في نقد السلطة كعادتها بجرأة وقوة.
- كما أنهما لم يجيبا بصراحة عن الموقف من الشريعة.. ولربما كانت إجابة الوزير بأن الشريعة مطبقة مثاراً للدهشة ومفقدة للثقة.
- وقد استطاعت الجماعة الإسلامية الاستفادة من هذا اللقاء لصالحها تماماً.. حيث أبرزت قضيتها وتصدت للنقاط التي تراها غير مناسبة بحجج قوية زادت من رصيدها وشعبيتها بين أبنائها وجمهور الحاضرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق