الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

حكم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم
السيد سليمان نور الله

س1/ هل تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم.. جائزة ؟
ج1/ نعم جائزة ؛ لأن الأصل في الأمور الإباحة، ولم يرد في الكتاب والسنة أو عن أحد من الأئمة المتبعين ما يفيد النهي عن ذلك، بل أفعاله صلى الله عليه وسلم معهم دالة على جواز مثل ذلك ، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم زار يهوديا في مرضه ودعاه إلى الإسلام فأسلم ، مع اختلاف العلماء هل الزيارة هي الأصل والدعوة تابع لها أم العكس، كما أن تهنئة أهل الكتاب نوع من المودة والبر مما أمرنا به نحوهم ما داموا مسالمين غير محاربين، قال تعالى : (لايَنهاكُم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكُمْ في الدين ولم يُخرجوكم من دِيارِكم أنتَبرّوهم وتُقسِطوا إليهم إن الله يُحب المقسطين) سورة الممتحنة آية 6 ، وقال تعالى : (عَسَى اللهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَعَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم) سورة الممتحنة الآية : 7 ، فإذا كان النصراني ممن يستغل المناسبات الإسلامية في تهنئة المسلم، فهذا يجب تهنئته في عيده من باب : (وإذا حُيِّيتم بتحيَّةٍ فحيُّوا بأحسنَ منها أو رُدُّوها) سورة النساء

س3/ وهل هذه التهنئة تعد إقرارا من المسلم بما تحمله مناسبة العيد أحيانا من عقيدة أهل الكتاب مما قد يؤثر على إسلامه مستقبلا ؟

ج3/ هذا توهم لا دليل عليه، ولا عبرة بالتوهم أو الظن البين خطؤه؛ فالأصل في المسلم أن يكون قوي الإيمان، مختلطا بغيره مؤثرا فيهم ليدخلوا في الإسلام، وليس مجرد التهنئة الموسمية هي التي تجعله يلتفت عن دينه، وإلا وجب عزل المسلمين جميعا عن أهل الكتاب وعدم مجاورتهم أو التعامل معهم أو الاختلاط بهم لأن هذا أشد تأثيرا من التهنئة، وهذا مخالف لنصوص الكتاب والسنة الداعية إلى مخالطة أهل الكتب وزيارتهم وأكل طعامهم والإحسان إليهم ، قال تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ ) سورة المائدة الآية : 5 ، وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يهودي ، ولم يكن ذلك مشاركة منه في عقيدته ، وإنما هو تعظيم وإجلال لأمر الموت ، لا غير .

س4/ أليست تهنئة الكفار في أعيادهم مناقض للولاء والبراء حيث موالاتهم والركون إليهم ؟

ج4/ ليس الأمر كذلك ؛ لأن الآيات التي نهت عن مودة المشركين وموالاتهم إنما قصدت المحاربين للإسلام والمسلمين كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتِّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَاتُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْتَعْقِلُونَ) سورة آل عمران الآية : 118. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَتَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْبِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجونَالرَّسولَ وَإيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُم) سورة الممتحنة الآية : 1، فهؤلاء لا يحل لنا موالاتهم أو مناصرتهم أو مودتهم .
أما غير هؤلاء ممن لم تظهر لنا عداوتهم ، فهم على أصل البر والإقساط إليهم كما أمرنا الله عز وجل وكما عاملهم المصفى صلى الله عليه وسلم .

س5/ أليس من الأفضل منع ذلك سدا للذرائع ؟

ج5/ التشدد في سد الذرائع تماما كالتوسع في فتحها، ولو كان الأمر كذلك لمنع الإسلام مصاهرتهم، كيف وقد أباح الإسلام الزواج من نساء أهل الكتاب، وهذا أشد أنواع المخالطة، وتصور الخائفين قائم ؛ من تأثر الأبناء بعقيدة أمهم، أو تأثيرها على الزوج المسلم نفسه، و في وصاياه لنصارى نجران حرَّج الرسول صلى الله عليه وسلم على الزوج المسلم أن يمنع زوجته النصرانية من الذهاب إلى الكنيسة للتعبد وفق دينها في اليوم الذي تراه هي، وظل هذا تشريع الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهلا دعا الإخوة المتخوفون إلى تبديل هذا التشريع الإسلامي سدا للذرائع ؟؟!! . وفي الأصول : ما حُرم سدا للذرائع أُبيح لمصلحة الراجحة، وكما رأينا أنه لا توجد ذريعة معتبرة شرعا تسوقنا إلى القول بالتحريم، بينما تبقى المصلحة الراجحة لتوطيد العلاقة بأهل الكتاب ليقفوا على ما بديننا من خير وصلاح فيؤمنون به ، ولكن يبقى أن نعمل حثيثا على توعية المسلمين وإفهامهم دينهم وتقوية إيمانهم ورد الشبهات الواردة عليهم، ولنتعب أنفسنا ونجهد في ذلك ، بخاصة في مواجهة أمواج التبشير التي تريد أن تنال من شبابنا وبناتنا، والتي لا يصلح مواجهتها بالانعزال والتقوقع وعدم الانفتاح على الآخر في ظل وسائل الاتصال والتعليم التي تصل إلى كل إنسان رغما عنه .

هل يجوز إهداء أهل الكتاب هدية أو معايدة بمناسبة عيدهم ؟

/ في ظل ما سبق توضيحه فإنه لا بأس بذلك من باب تأليف قلبه، وطاعة الله تعالى الذي أمرنا بالبر والإحسان إليهم ما داموا مسالمين غير محاربين، كما أنه من باب المجاملات التي تعارف عليها المجتمع، بشرط ألا تكون مما يدل أو يشير إلى نوع عقيدتهم الباطلة ؛ كالصليب أو التصاوير التي يتعبدون بها ، أو مما يستحلونه وهو عندنا محرم كالخمر ولحم الخنزير .

هل ورد عن أحد من السلف أو علماء الأمة القول بتحريم تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم ؟
ج9 / لا نعلم عن أحد من الصحابة أو التابعين او الأئمة المتبعين القول بحرمة تهنئة أهل الكتاب في أعيادهم ، وما ورد عن ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ، وابن الحاج في المدخل ، فكله مبني على حرمة التشبه بأهل الكتاب فيما هو من دينهم وليس في تحريم تهنئتهم .
وفي عصرنا الحديث أفتى بجواز تهنئة أهل الكتاب في أعيادهم كل من العلامة الفقيه مصطفى الزرقا ، والعلامة الفقيه الأصولي الدكتور يوسف القرضاوي ، والعلامة الفقيه المفسر الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد ، وآخرون ، كما أفتى بذلك المجلس الأوروبي للإفتاء .
هذا والله تعالى أعلى وأعلم ؛
وكتب السيد سليمان نور الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق