الثلاثاء، 5 يونيو 2012

Khaled Harby
قبل الفجر كنت بلصق بوسترات ضد شفيق ..وبعد الفجر خت العربية وطلعت بسرعة عشان الحق طابور البنزين ..ورجعت اتابع التقارير عن محاكمة مبارك
في هذه المراحل كلها لم يكن في ذهني سوى صورة "أبو إيمان "
من هو "أبو إيمان"
في عام 98 دخل المعتقل علينا في المعتقل شاب يبلغ من العمر 24 سنة .اعتقل لان اخيه الاكبر كان عضوا في الجماعة الاسلامية واتهم في احد القضايا ونكاية في الاسرة تم اعتقال الاخ الاصغر ايضا مع انه غير منمي لاي تيار وهو يصلي فقط ... هذه الاخ الاصغر كان لديه ولد اسمه اسلام يبلغ من العمر عام واحد وبنت اسمها ايمان تبلغ من العمر ثلاثة اعوام
أبو ايمان مريض منذ صغره بالسكر ويعيش على حقن الانسولين ..وعند ترحيله من جهاز امن الدولة بالجيزة -الشهير باسم جابر بن حيان- إلى معتقل دمنهور ..تم استقباله كالعادة بحفلة تعذيب رهيبة وتعمد ضباط المعتقل كسر كل الادوية التي يحملها كما هي عادتهم
..دخل ابو ايمان علىّ في الزنزانة الثانية بعنبر 2..كان عددنا في النزنزانة قرابة الثلاثين معتقل ..كان مذهولا يرتجف من التعذيب والخوف والقلق ...وبعد قليل بدء يتحسس ملابسه ليخرج صوة لاطفاله استطاع اخفائها ..نظر اليها وسكت ..حاونال طمئنته والتهوين عليه .
وفي صباح اليوم التالي طلب منا ان ندبر له حقنة انسولين ..ولم يكن بوسعنا هذا فطبيب السجن - العميد دكتور احمد نبيل- احد كبار المجرمين الذي قتلوا الكثير من الشباب ويكفي ان تذكر اسمه لتسمع عشرات القصص التي تعمد فيها قتل المعتقلين وهو لا يسمح باي ادوية تدخل للمعتقلين ..استخدمنا حيلة فطلبنا من الشاويش ان يخرجه للقاء طبيب السجن لانه مريض مرض معدي قد يعدي الجميع حتى الشاوش نفسه
خرج ابو ابمان للمستشفي السجن وعاد بعد دقائق وقد ازرق وجهه من كثر الضرب ..فطبيب السجن المجرم عندما علم بحقيقة الموقف انهال عليه ضربا ثم رده إلى الزنزانة بلا دواء...حاولنا مرار ان ندبر له حقنة انسولين فلم نفلح .
في اليوم الثاني كانت حالته الصحية تتدهور قررنا ان نتحمل الاذي ونرفض استلام الطعام حتى يحصل على الدواء ..وبالفعل رفضنا وبعد عدة ساعات اغلق المعتقل واقتحمت القوة الضاربة من الامن المركزي والمباحث وامن الدولة والكلاب البوليسية علينا الزنزانة واشبعونا ضربا وتعذيبا وصعقا بالكهربا ..قررنا ان نستمر للنهاية ورفضنا ان نستلم الطعام حتى تصرف له حقن انسولين نشتريها نحن باموالنا المودعة في خزانة السجن .. رفضوا وتركونا بلا طعام وبلا دواء .
كانت حالة "ابو ايمان " تتدهور بشدة وفي الصباح بدء يدخل في غيبوبة ..بمجرد فتح باب الزنزانة لعد المعتقلين في الصباح حملناه ووضعناه خارج الزنزانة وقلنا لهم اقتلونا او اقلتوه لكننا لا ندعه يموت بيننا ...تركوه ملقي في الارض الباردة ساعات ثم حضر ضابط امن الدولة وعقد معنا اتفاق ...نقبل الطعام وننهى حالة الاضراب مقابل ان يعرض المريض على طبيب السجن ويصرف له الدواء وبالطبع قبلنا .
اتي الجنود وحملوه للطبيب وادخل الشاويش الطعام للزنزانة ..بعدها بقليل عاد الجنود به هو محمول على اكتافهم كما خرج ..ادخلوه سريعا واغلقوا الابواب وخرجوا ...وحين اقتربنا منه كان لا يزال في غيبوبة السكر وكانت رائحة الشواء تفوح من قدمة التي حرقها الطغاة باعقاب السجائر ...
وقبل صلاة العشاء افاق ابو ايمان من غيبوبته ... افاق وهو يتسأل :ما هذا الظلام ؟!.. لقد فقد المسكين بصره
انهمرت الدموع من عيني وعين اخواني ..امسكت بصورة طفلته "أيمان" التي كان يتأملها طوال الوقت ...حين نظرت الي أبتسامتها انهرت ووقعت على الارض ..تمنيت وقتها ان اهديه بصري لينظر به إلى طفلته الجميلة كما كان يفعل دائما
جلسنا طوال الليلة نبكي ونصلي ونتضرع إلى الله تعالى ان يشفيه وييسر له امر حقنة انسولين ثمنها بخس لكن يضن الطغاة عليه بها
وفي الصباح ابلغناهم بما حدث له وظننا انهم قد يوقفوا هذه المذبحة له ..لكنه لم يحدث .. لم يكن في وسعنا سوى رفض استلام الطعام مرة اخرى ..فلم يابهوا لنا ..حل الظلام وبدء ابو ايمان يدخل في غيبوبة اخرى ...ظللنا نصرخ على الشاويش "أخ بيموت يا شاويش" فكان يجيب بنبرته القاسية ..لما يموت ابقه قولي عشان نرميه في الزبالة "
وفي منتصف الليل كنت اضع وجهي في الحائط ويداي على رأسي أحاول ان ابقي صامد ولساني يلهث " لاحول ولا قوة الا بالله "
حين صرخ المنادي على الشاويش " الاخ مات يا شاويش "
نعم مات أبو إيمان ..وكتب على اطفاله ان يعيشوا عمرا طويلا في ظلمة اليتم والحرمان
انتفضت ونظرت الي وجهه ولم ارى شيئا اخر ...افقت وقد غسلوه ووضعوه لنصلي عليه .
لا ادى كيف كانت صلاتي لم استطع ان افعل شيئا سوى البكاء والنحيب
ثم فتح بابا العنبر ووجدنا أمامنا عدد هائل من الجنود والضباط بالاسلحة والصواعق الكهربائية ...امرونا أن نتراجع لاخر الزنزانة وندير ظهرنا للباب ..وحذرونا من اي حركة ستقابل باطلاق الرصاص الحي فتح الباب طرف عين ثم اغلق ..سحبوا جثمان الشهيد ، واختفوا ...
تم تحرير محضر رسمي انه كان يعاني من ازمة قلبية ونقل للمستشفي السجن واجريت له كافة الاسعافات والاجراءات الطبية لكن مات بلا تقصير من ادارة السجن ..طلبوا ثلاثة من المعتقلين ليشهدوا بهذا في المحضر فرفضوا ..تم تعذيبهم واقتيدوا إلى عنبر التأديب ..واغلاق المحضر بشهادة اثنين من المسجونين جنائيا في المستشفي على هذا .
هذه قصة واحدة من الالاف القصص التي رأيتها بأم عيني في معتقلات مبارك والعادلي وحسن عبد الرحمن ...مبارك الذي يحاكم اليوم ..ليس لانه قتل ابو ايمان والمئات غيره..ولكن لانه حصل على فيلا رشوة ...كاننا نحاكم "رئيس حي" او محافظ مرتشي وليس مجرما من اعتي طغاة البشر
شيييييير
Khaled Harby

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق