الاثنين، 30 يونيو 2014

قصه رائعه

 قــــــصــــــة صـــــحـــــيـــــحـــــة و رائــــــعــــــة و مــــــؤثــــــرة►▓▒░

قال هاشم بن يحيى الكناني : غزونا أرض الروم في سنة ثماني و ثلاثين بقيادة مسلمة بن عبد الملك و كان معنا رجل يقال له سعيد بن الحارث كان يصوم النهار و يقوم الليل و كنا نحرص أن نخفف عنه من نوبته فى الحراسة فيأبى و لم يفتر عن ذكر الله تعالى و دراسة القرآن ،
فأدركني و إياه النوبة ذات ليلة في الحراسة ، و نحن محاصِرون حصناً من حصون الروم فرأيت من سعيد في تلك الليلة من العِبادة ما احتقرت معه نفسي و عجبت من قوة جسمه على ذلك وعملت أن الله تعالى يؤتي الفضل من يشاء ، وأصبح سعيد كلاًّ من التعب ،
فقلت له : يرحمك الله إن لنفسك عليك حقاً و لعينك عليك حقاً
فقال لي : يا أخي إنما هي أنفاس تعدّ وعمر يفنى وأيام تنقضي و أنا رجل أرتقب الموت و أبادر خروج نفسي ،
يقول هشام : فأبكاني جوابه و دعوت الله عز وجل له بالعون و التثبيت ثم قلت له : نم قليلا تستريح فإنك لا تدري ما يحدث من أمر العدو ، فإن حدث شيء كنت نشيطاً ،
فنام إلى جانب الخباء ، وتفرق أصحابنا ، وأقمت في موضعي أحرس رحالهم و أصلح لهم طعامهم ، فسمعت كلاماً في الخباء ، وعجبت مع أنه ليس فيه غير سعيد نائماً ، و ظننت أن أحداً دخله و لم أره فدخلت فلم أجد أحداً غيره و هو نائم بحاله إلا أنه يتكلم و هو يضحك في نومه فأصغيت إليه و حفظت من كلامة قوله ( ما أحب أن أرجع ) ثم مدّ يده اليمنى كأنه يأخذ شيئاَ ثم ردّها بلطف و هو يضحك ثم قال : فالليلة .. ثم وثب من نومه وثبة استيقظ لها و هو يرتعد فاحتضنته إلى صدري مدة وهو يلتفت يميناً وشمالاً حتى سكن وعاد له فهمه و جعل يهلل ويكبر ويحمد الله تعالى فقلت له : يا أخي ما شأنك ؟ فقال : خير يا أبا الوليد قلت : إني قد رأيت منك شيئاً و سمعت منك كلاماً في نومك فحدِّثني بما رأيت ..
فقال : أوتعفيني من ذلك . فذكرته حق الصحبة قلت : حدِّثني يرحمك الله فعسى الله أن يجعل لي في ذلك عظة و خيراً ،
فحدَّثني عما رأى في منامه ، قال رأيت رجلين لم أرى قط مثل صورتهما كمالاً وحسناً فقالا لى : يا سعيد أبشر فقد غُفر ذنبك و شُكر سعيك ، و قُبل عملك ، و استُجيب دعاؤك ، و عُجلت لك البشرى في حياتك ، فانطلق معنا حتى نريك ما أعد الله لك من النعيم . وظل سعيد يسرد ما رأى من القصور و الحور و ترحيبهن به ، و الجواري ،
حتى انتهى إلى سرير عليه واحدة من الحور العين كأنها اللؤلؤ المكنون فقالت له : قد طال إنتظارنا إياك ، فقلت لها : أين أنا ؟ قالت : في جنة المأوى ، قلت لها : و من أنت ؟ قالت : أنا زوجتك الخالدة ،
قال : فمددت يدي إليها ، فردتها بلطف و قالت : أما اليوم فلا إنك راجع إلى الدنيا ، فقلت : ما أحب أن أرجع ، فقالت : لا بد من ذلك ، و ستقيم ثلاثاً ، ثم تفطر عندنا في الليلة الثالثة ، إن شاء الله تعالى ، فقلت : فالليلة الليلة ، قالت : إنه كان أمراً مقضياً ، ثم نهضت عن مجلسها ووثبتُ لقياهما فاستيقظت ،
قال هاشم : فقلت : يا أخي أحدث لله شكراً فقد كشف لك عن ثواب عملك ،
فقال لي : هل رأى أحد غيرك مثل ما رأيت منى فقلت : لا ‍‍ فقال : أسألك بالله عز وجل إلا سترت عليّ ما دمت حياً .. فقلت : نعم ، فقال : ما فعل أصحابنا ،
فقلت : بعضهم في القتال ، و بعضهم في الحوائج . فقام و تطهر و اغتسل و مس طيباً و أخذ سلاحه و سار إلى موضع القاتل وهو صائم فلم يزل يقاتل حتى الليل و انصرف أصحابه وهو فيهم ، فقالوا لي : يا أبو الوليد لقد صنع هذا الرجل شيئاً ما رأيناه صنع مثله قط و لقد حرص على الشهادة ، و طرح نفسه تحت سهام العدو ، و حجارتهم و كل ذلك ينبو عنه ،
فقلت في نفسي : لو تعلمون شأنه لتنافستم في مثل صنيعه ، قال : و أفطر على شيء من الطعام و بات ليلته قائماً و أصبح صائماً فصنع كصنيعه بالأمس ، و انصرف من آخر النهار فذكر عنه أصحابه مثل ما ذكروه بالأمس ، حتى إذا كان اليوم الثالث و قد مضت ليلتان ، انطلقتُ معه و قلت : لا بد أن أشهد أمره و ما يكون منه ، فلم يزل يلقي نفسه تحت مكايد العدو نهاره كله و لا يصل إليه شيء ، و هو يؤثر فيهم ، و أنا أرعاه من بعيد لا أستطيع الدنو منه ، حتى إذا نزلت الشمس للغروب و هو أنشط ما كان ، فإذا برجل من فوق حائط الحصن قد تعمده بسهم فوقع في نحره فخر صريعاً ، و أنا أنظر إليه ، فصحت بالناس فابتدروه و اجتذبوه وبه رمق ، و جاءوا به يحملونه فلما رأيته قلت له : هنيئاً لك بما تفطر عليه الليلة ياليتني كنت معك ، فعضّ شفته السفلى وأومأ إليّ ببصره وهو يضحك يعني أكتم أمري حتى أموت ،
ثم قال : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، فوالله ما تكلم بشيء غيرها ، ثم قضى رحمة الله تعالى عليه ،
قال هشام ، فقلت بأعلى صوتي : يا عباد الله لمثل هذا فليعمل العاملون ، أسمعوا ما أخبركم به عن أخيكم هذا ، فاجتمع الناس إليّ فحدَّثتهم بالحديث على وجهه ، فما رأيت قط أكثر من تلك الساعة باكياً ، ثم كبروا تكبيرة أضطرب لها العسكر وأقبلوا للصلاة عليه وبلغ ذلك القائد مسلمة بن عبد الملك فقال : يصلى صاحبه الذي عرف من أمره ما عرف .
قال هشام : فصليت عليه ودفناه في موضعه ، وبات الناس يذكرون حديثه و حرض بعضهم بعضاً ، ثم أصبحوا فنهضوا إلى الحصن بقلوب مشتاقة إلى لقاء الله عز وجل ، فما أضحى النهار حتى فتح الله الحصن ببركته رحمه الله تعالى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق